السبت، 27 أكتوبر 2018

ذوو الاحتياجات الخاصة في ضوء القرآن والسنة النبوية




قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأنعام: 165 ).

خلائف: جمع خليفة : أي يخلف بعضكم بعضا فيها.      ليبلوكم: ليختبركم

          خلق الله الإنسان خليفًة في الأرض ، وجعل له الدنيا دار الامتحان والابتلاء ، ليميز الصالح المطيع من المنحرف الطاغي، ومن الابتلاء الذي يصيب الإنسان في الدنيا أن يكون من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وإذا كان العالم أجمع ينادي اليوم بتكريم ذوي الحاجات الخاصة  فالإسلام  قد نادى بالمحافظة على هؤلاء وشرع التدابير اللازمة لرعايتهم ومنحهم حقوقهم في إنسانية كاملة؛ مما أبعد عنهم شبح الخجل وظلال المسكنة، والإسلام لم يقصر هذا النداء على عام دون آخر لأن القواعد والتشريعات التي أرساها الإسلام تسير في كل زمان ومكان.
مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة:
هم الأشخاص الذين يختلفون اختلافًا ملحوظًا عن الأفراد الذين يعتبرهم المجتمع أشخاصًا طبيعيين أو عاديين، إنهم الأفراد الذين يكون نموهم أعلى من المتوسط أو أدنى منه بشكل جوهري، وهم ثمانية فئات:
1-    الإعاقة العقلية.               2- الإعاقة الجسدية.
3-    الإعاقة السمعية.             4- الإعاقة البصرية.        
5-    صعوبات التعلم.             6- اضطرابات السلوك.
7-   
اضطرابات التواصل.       8- الموهبة والتفوق.



أولا: عناية القرآن الكريم والسنة النبوية بذوي الاحتياجات الخاصة: 
        كثير من الآيات تشير إلى المساواة بين بني البشر وترشد ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أن ما يعانونه من شدة الحاجة والإعاقة لا ينقص من كرامتهم الإنسانية ولا يحط من قيمتهم في الحياة لأن الإعاقة والحقيقية هي تلك التي تصيب الذات في النفس والدين والخلق لا التي تصيب الجسد حيث قال الله تعالى:

}فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{           (الحج:46
فالإسلام الذي اختار التقوى لتكون معيار التفاضل بين الناس قد أفسح المجال الرحب للصحيح والمريض لذي الإعاقة الجسدية والمعافى منها، للكبير والصغير، للذكر والأنثى.
     ومع كل ذلك فإن الإسلام لم يتجاهل أثرها في نفس صاحبها، لذلك فقد جاء تدبير الإسلام في توجيه الإنسان إلى الصبر على ما يواجهه فى هذه الحياة من متاعب ومصاعب، وما ينزل به من كوارث ونكبات تحل في جسمه أو في ماله أو في أية نعمة أخرى، ذلك لأنه بغير ترويض النفس على الصبر لا يمكن للإنسان أن يتقبل الحياة، حيث قال تعالى:
"وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)"      ( سورة هود، 9-11)
      قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله ابن أم مكتوم ودلالتها:

            لعل من أعظم البراهين على اهتمام القرآن بهم، تسجيله لحادثة معاتبة الله للنبي صّلى الله عليه وسّلم، بسبب شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه، الذي جاء إلى مجلس الرسول صّلى الله عليه وسّلم يسأله في شأن دينه، وكان الرسول صّلى الله عليه وسّلم مشغولًا بجماعة من صناديد الكفر، فظن الرسول صّلى الله عليه وسّلم واعتقد أن الأهم في هذا الموقف الاهتمام بوجهاء مكة، فتوّلى صّلى الله عليه وسّلم عن هذا الصحابي الجليل وعبس في وجهه، ولكن الله عاتبه ورده إلى الأصوب، وذلك بقوله تعالى:
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴿١﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴿٢﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ﴿٤﴾ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ﴿٥﴾  فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ﴿٦﴾وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿٩﴾ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴿١٠﴾)      (عبس: 1-10)
     وبذلك فقد سجل القرآن تكريمه للأعمى، وفضل هذا الواحد المخلص على العديد من الذين لهم مكانتهم بين الناس ومن وجهائهم، فقرر من هنا مبدأ إكرام الله للناس على حسب الإخلاص والتقوى، لا بالجسم والصورة أو المكانة الاجتماعية.
تخفيف الشرع لذوي الاحتياجات الخاصة من بعض الواجبات:
يوجد في التشريعات الإسلامية الترخيص لبعض العاجزين عن الواجبات تسهيلا عليهم وتخفيفا عنهم وإعفاءً لهم من الواجبات التي تثقل عليهم بسبب ما بهم من بلاء وعجز، وذلك في آيات كثيرة منها:
قال تعالى:} لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا{ (الفتح:17)
وقال تعالى: 

و قال تعالى:}لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ (التوبة:91)    
 وبذلك فإن الله رفع الحرج عن الأعمى في التكاليف التي تشترط البصر، وعن الأعرج فيما يشترط المشي، أو الإعفاء من بعض  شروط العبادة وأركانها كما في الصلاة للمريض، لأنه يضطرهم إلى ذلك العذر فيحملهم على الإنقاص بشرط نيتهم الإتيان بالأكمل.
واجبنا  نحو ذوي الاحتياجات الخاصة وفقًا لتعليمات الإسلام: 
هكذا بعد أن رأينا مدى عناية القرآن والسنة النبوية بذوي الاحتياجات الخاصة، فما واجبنا نحن اتجاههم؟
إن واجبنا اتجاههم يقوم على مراعاة مشاعرهم إلى أقصى حد، وذلك كالآتي:
-  1-    الابتعاد عن السخرية بكل أشكالها وصورها والأسباب الداعية إليها، فيقول سبحانه:
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{   ( الحجرات:11)
22-   مساعدتهم وإعانتهم على قضاء حاجاتهم:
فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعينهم ويحث في أحاديثه على دوام مساعدتهم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: " عَلَى كُلِّ نَفْسٍ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ ، قَالَ : قُلْتُ رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ نَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ ؟ قَالَ : " وَإِنَّ مِنَ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمِ وَالْحَجَرِ ، وَتَهْدِي الأَعْمَى ، وَتَسْمَعُ الأَصَمَّ وَالأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ ، وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الضَّعِيفِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ.(رواه النسائي في سننه الكبرى،2001، باب عشرة النساء، 203،ح 8978)
          فقد جعل الحديث هداية الأعمى وإرشاده وتعليمه ومعاونته طرقا وسبلا وأبوابا للخير والصدقة التي يمارسها كل فرد يحرص على نيل الأجر والثواب عند الله تعالى، ومنها قوله عليه الصلاة و السلام: "من ولي من أمر الناس شيئا فاحتجب عن أولي الضعف والحاجة احتجب الله عنه يوم القيامة.
3-    دمجهم في المجتمع في صورة أنشطة اجتماعية:
* ومنها أن "رسول الله عليه الصلاة والسلام قد استخلف ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بهم وهو أعمى"، وكذلك ما ثبت أن ابن أم مكتوم كان مؤذنا. ففي هذين الحدثين دلالة واضحة على دمج ذي الحاجة الخاصة في المجتمع وتحميله بعض المسؤوليات في حدود استطاعته، وما ذلك إلا لاستحقاقه هذا العمل وقدرته على تحمل تبعاته ومسئولياته فهو ليس أقل من غيره في هذا الشأن، ويمكن تأهيله بتدريبه واستغلال ما لديه من قدرات ولو كانت منقوصة.
4-   
 عدم إظهار الشفقة الزائدة عليهم لما في ذلك من جرح لهم، ولكن مساعدتهم برقي دون الإساءة إليهم.

إصابة أنبياء بإعاقات جسدية مؤقتة: 


 احذري عزيزتي الطالبة من اعتقاد أن ذوي الاحتياجات الخاصة قد أصيبوا بالإعاقات جرَّاء ذنوبهم والعياذ بالله، تعالى الله عمَّا يصفون، فهناك أطفال تولد بإعاقتها، فما ذنوبهم؟! ، وهناك أنبياء أصيبوا بإعاقات جسدية مؤقتة، فهل أصيبوا جرَّاء ذنوبهم أيضًا؟!!





        إن في القرآن آيات تدل على إصابة بعض من الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) بما يصيب عامة الناس من الأمراض والعاهات والإعاقات الجسدية ، ومن غير التأثير على العقل وشأن النبوة والرسالة وما يتعّلق بها، فهذا نبي الله يعقوب (عليه السلام) قد أصيب بالعمى وهو ابيضاض العين، وفي هذا قال تعالى: " وقَالَ يَا أَسَفِي عَلَى يُوسُف وابْيَضَّت عينَاه مِن الحُزن فَهُو كَظِيم" (يوسف: 84 )، وقد شفاه الله من هذه العاهة، فقال في نفس السورة: " اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ" (يوسف: 93 ). وهذا نبي الله موسى (عليه السلام) أصيب بعقدة في لسانه كانت تمنعه من الكلام السليم، وقد دعا الله أن يشفيه من هذا المرض، حيث قال: " واحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي " (سورة طه: 27، 28) وقد شفاه الله، واستجاب له بكشف هذه العاهة، وغيرها من المطالب، فقال: " قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ " (طه: 36)، وهذا نعم العبد لله نبي الله أيوب(عليه السلام)، الذي أصيب بأمراض لم يذكر القرآن نوعها ، إلا أنه أصابه الضر، وفي هذا قال تعالى : "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (الأنبياء: 83)، (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ) " (الأنبياء:84).

الإعاقة ليست نهاية الحياة: 

كما يوجد في الصورة الإعاقة ليست نهاية الحياة، بل قد تكون بداية حياة مليئة بالإنجازات والتحدي، وهاهي نماذج مشرفة ومبهجة لذوي الاحتياجات الخاصة، مثل:
-         ابن باز: عبد العزيز بن عبد الله بن باز قاضٍ وفقيه سعودي شغل منصب مفتي عام المملكة السعودية، كان بصيرا ثم أصابه مرض في عينيه وضعف بصره ثم فقده، صدر أمر ملكي بتعيينه رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ثم مفتياً عاماً للملكة العربية السعودية ورئيساً لهيئة كبار العلماء .
-          الإمام  الترمذي صاحب سنن الترمذي المشهورة، وأحد أصحاب الكتب الستة المشهورة في الحديث. كان رحمه الله أعمى ولكنه  برع في علم الحديث وحفظه وأتقنه، وصنف عددا من الكتب المفيدة، من أهمها: سنن الترمذي وكتاب الشمائل المحمدية، والعلل المفرد، والزهد، وكتاب أسماء الصحابة.
-         مصطفى صادق الرافعي: من أشهر الكتاب المصريين أصيب بمرض التيفود أفقده
سمعه تدريجيًا، وقال عنه مصطفى كامل: " سيأتي يوم إذا ذكر فيه الرافعي قال الناس عنه:" هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان".
-         طه حسين: أحد أبرز رواد الأدب العربي أصيب في الرابعة من عمره بالرمد في عينيه مما أدى إلى إصابته بالعمى.
-        
أبو العلاء المعري: أديب من العصر العباسي فقد بصره في الرابعة من عمره نتيجة لمرض الجدري.

0 التعليقات:

إرسال تعليق