الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

التحرش الجنسي وإعجاز التشريع الإسلامي في محاربته






قال تعالى:
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ (التحريم:6)
        بيَّنَ االله عز وجل  الحلال والحرام ونهى عن كل ما يقربنا للحرام أو للفواحش ومنها الزنا، ومقدماته من كلمة أو نظرة أوما شابه، وغلَّظ سبحانه وتعالى في العقوبـة  سواء كان المرتكب رجلًا أو امرأة ، ووقايةً من انتشار الظاهرة، لزم دراسة حكم الشرع فيه.
أولًا مفهوم التحرش الجنسي:
 هو كل ما يصدر من شخص لآخر, دالاً على الرغبة في فعل الجنس المحرم, ويشكل تجاوزًا للدين والأخلاق العامة والأنظمة".
شرح التعريف:
1-     كل ما يصدر: ليشمل الإشارة والقول والفعل والكتابة وإصدار الأصوات ونحوها.
2-    من شخص لآخر: ليشمل الذكر مع الذكر, والذكر مع الأنثى, والأنثى مع الأنثى, والأنثى مع الذكر, صغيرًا كان أو كبيرًا.
3-    في فعلٍ دالٍ على الرغبة الجنس المحرم: ليشمل مقدمات الزنا أو الاغتصاب أو اللواط أوالسحاق, من إشارة أو قول أو فعل أو كتابة أو صوت محرم.
4-    ويشكل تجاوزًا للدين والأخلاق العامة والأنظمة: فعل الجنس المحرم يصدق عليه أنه تجاوز للدين وللأخلاق العامة والأنظمة, وبذلك يصلح أن يكون هذا التعريف للدول التي لا تحكم الشريعة, فما كان عندها تجاوز للأنظمة فهو تحرش.
ضعف الوازع الديني السبب الأكبر وراء التحرش الجنسي:
        تتعدد الأسباب في التحرش الجنسي منها ما يعود للمرأة وعدم التزامها بالزي الشرعي أو زينتها والتبرج، أو سلبيتها حينما تتعرض للتحرش دون الإبلاغ، ومنها ما يعود للأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة والفقر وعدم تيسير الزواج، ومنها للتفكك الأسري أو المجتمعي، ومنها دور وسائل الإعلام الذي قد يكون سلبيًا، إلا أن السبب الأكبر هو ضعف الوازع الديني والبعد عن القيم والأخلاق؛ لأنه إذا كان الوازع الديني قويًّا لن تؤثر الأسباب السابقة، فالذي يستشعر وجود الله في السر والعلانية لا يضعف أمام هذه المغريات.
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن" (رواه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب الزنى وشرب الخمر،2002،1677،ح 6772)

       وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الجلوس في الطرقات وإن كان لابد فله آداب لو التزمنا بها لما حدث تحرش جنسي كما نسمع، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يارسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حقه؟ قال:" غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"( رواه مسلم في صحيحه، 2015، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات، وإعطاء الطريق حقه، 1018، ح 2121)
إعجاز التشريع الإسلامي في محاربة التحرش الجنسي:
أولًا: العقوبات الرادعة:
لقد فرض الإسلام العقوبات المشددة لمنع الزنا والتحرشات الجنسية، ولمنع خوض الألسنة في أعراض المحصنات ولردع الذين يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، كل ذلك مع التخويف بعذاب الآخرة، وقد جعل الله حد الحرابة لمعاقبة كل من سوَّلت له نفسه سفك الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض والتحرش بالنساء يتضمن إفسادًا في الأرض متضمنًا قطع الطريق  للتحرش بها أو إسماعها ما تكره، ذلك يكون جريمة حرابة متكاملة الأركان، ولذا فإنه يرد في حق المتحرشين بالنساء العقوبتان الدنيوية والأخروية الواردتان في قول الله تعالي:
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }             (المائدة: 33)
و ذلك لقطع دابر هذه الجريمة من المجتمع. 
-        والقارئ لسورة النور يجدها تذكر عقوبة الزنا، فيقول تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كل واحدِ منهما مائة جلدة)
وعدم الشفقة بهم }وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إنْ كنتُم تُؤْمِنُون بِاللهِ واليومِ الآخِر{ وذلك لتحقيق العدالة ولإصلاح الجاني, و ألا يكون تعذيبهم خُفية بل يحضره الناس }وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {, وذلك لكي يتحقق غرض العقوبة الرئيس في الإسلام وهو الردع، فعندما يرى الناس عقوبة الزنا يعتبرون، وإنما اشترط أن تكون الطائفة من المؤمنين حتى تسري عقوبة الزاني كما أمر الله فتشهد الطائفة بعدد الجلدات فلا تزيد ولا تنقص وألا يتهاون الجلاد ولا تأخذه بهم رأفة، وعقوبتهم في الدنيا عدم الزواج إلا بزانية }الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ{ (المؤمنون، 3).
-         وقال تعالي في عقوبة خوض الألسنة في أعراض المحصنات قال تعالى:
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ( النور: 4)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور:19)

ثانيًا: الوقاية من خلال تربية النفوس على العفة:
      تشيع الشريعة الإسلامية نور العفة بين الناس لكي تحول بينهم وبين الوقوع في الشهوات والعقوبات، فدعت إلى الابتعاد عما يوقع الإنسان في حفرة الشهوات، في قوله تعالى:
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{  (النور: 21)
وذلك عن طريق بعض التوجيهات مثل:
1-    أمرت الشريعة الإسلامية بغض البصر لأهميته في كبح جماح الشهوة، وحثت على ستر المرأة لزينتها حتى لا يفتن بها الرجال،وفي مقابل كف النفس عن إشباع الغريزة الجنسية بالحرام، فيقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )) ( رواه البخاري في صحيحه، 2002، كتاب النكاح، باب من لم يستطع الباءة فليصم، 1293، ح 5066)
2-    منعت الاختلاط بين الرجال والنساء، قال تعالى: }وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا{ (الأحزاب:53)
3-    حرم الله الخلوة بالمرأة الأجنبية، فقال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان.( رواه الترمذي في سننه، 2015، كتاب الرضاع، باب ماجاء في كراهية الدخول على المغيبات، 245، ح 1171)

4-    وفي النهاية: شجع المولى تبارك وتعالى على تيسير الزواج ، فقال تعالى:

} وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ (النور: 33).



عقوبة القانون للمتحرشين جنسيًا:


      تنص القوانين على أنه يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتُكِب الجُرم بقصد حصول الجاني من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، فإذا كان الجانى ممن كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر، أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.(سليم علي:2018)
   هكذا القوانين تعاقبهم في الدنيا وترتكز على الغرامات، أو في بعض الحالات الحبس سواء سنة أو سنتين أو خمس سنوات، لكن الإسلام يتخذ أسلوب الوقاية أولًا، وإلا كان العقاب خزيًا في الدنيا كجلده أمام الناس جميعًا، ولا يتزوج إلا زانيةً مثله، ليس هذا فحسب، بل لهم في الآخرة عذاب أليم.

أسئلة التقويم:
1-    اشرح مفهوم التحرش الجنسي.
2-    ناقش مع زملائك على منصة الإدمودو أسباب انتشار ظاهرة التحرش الجنسي والسبيل للتصدي لها.
3-    وضح كيف يقي الإسلام النفوس من التحرش الجنسي ويعفها؟
4-    اذكر آية توضح عقوبة الزنا في الدنيا والآخرة ؟
5-    لم أمر الله سبحانه وتعالى أن تشهد طائفة من المؤمنين عذاب الزناة، ولماذا لم يقل طائفة من الناس، وخصها بكلمة "المؤمنين"؟
6-    اكتب مقالًا عن التحرش الجنسي وآثاره على الضحية والمجتمع، مستعينا بشبكة المعلومات وانشره على الإدمودو وناقش زملاءك فيه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق