الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

الأغاني: تعريفها وحكمها في الإسلام




تعريف الأغاني: عرًّف المعجم الوسيط الأغاني : بأنها ما يُتّرنَّم به من الكلام الموزون، وغيره، والغناء هو التطريب والترنم بالكلام الموزون وغيره،ويكون مصحوبًا بالموسيقى أو غير مصحوب، وقد اختلف الفقهاء في حكمها في الشرع وسنعرض أدلة كل منهما :
أولًا: الأدلة على تحريم الغناء والمعازف: 
       من العلماء من يرى أن الاستماع إلى الغناء لا يمس الدين في شىء ما لم تكن مثيرة للغرائز، من أمثال ابن حزم والغزالي برغم ورود أحاديث صحيحة وآيات قرآنية وآثار للصحابة رضوان الله عليهم يحرمونها ، ويعلق محمد الألباني (1997، 9،8)على شرطهم هذا أن قيدهم نظري غير عملي، ولا يمكن ضبطه، لأن ما يثير الغريزة يختلف باختلاف الأمزجة ذكورة وأنوثة شيخوخة وفتوة، ولا يوافقهم في الرأي ما يؤمن بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعِ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" ( رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، 23، ح 52) إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي عليها قامت قاعدة سد الذريعة.
ويستشهدون بأدلة إليكم بعضها :
1-       قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ " ( سورة لقمان: 6)
لهو الحديث: هو ما لُعِب به وشغل به صاحبه، وقد فسرها الكثير بأن المقصود بها الغناء، وأولهم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " نزلت في الغناء وأشباهه" (رواه البخاري في الأدب المفرد ، 623، باب الغناء، ح1265)
وورد في جامع البيان للطبري والجامع لأحكام القرآن أيضًا أن عبد الله بن مسعود سئل عن هذه الآية الكريمة فقال:" هو الغناء والذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات". محمد الطبري، 2001، 18/ 535) ( محمد القرطبي، 1964، ج 14) Text Box: ( أفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتّضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأنْتُمْ سَامِدُون) )النجم :59/61)
2-    ذكر البخاري في صحيحه:" قال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري والله ما كذبني  سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:" ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلُّون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنَّ أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحةِ لهم يأتيهم – يعني الفقير – لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدًا فيُبيِّتُهم الله، ويضع العَلَم، ويمسَخُ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" ( البخاري، 2002، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحلُّ الخمر ويسميه بغير اسمه، 1421، ح 5590)
فانظر عزيزي الطالب كيف أقرن الخمر والمعازف في حكم واحد أي أنها حرام، وأورد ابن تيمية  في منهاج السنة النبوية ( 1986، 439) :"قد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه، إلا الدف فقد أجيزللنساء فقط في الأفراح، ففي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (كتاب النكاح، باب ضرب الدف في النكاح والوليمة، ح 5147) حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد بن ذكوان قال قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين.





أما آراء الأئمة الأربعة في الغناء: ( محمود احمد، 2007، 420):

أولا:  الإمام أبو حنيفة :            
كان يكره الغناء ويجعله من الذنوب .
ثانيا : الإمام مالك :
نهى عن الغناء وعن سماعه وكان يُجيز للرجل إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها.
ثالثا : الإمام الشافعي :
قال عن الغناء هو لهو مكروه يشبه الباطل ومن استكثر منه فهو سفيه وترد شهادته .
رابعا : الإمام أحمد :
قال الغناء ينبت النفاق في القلب .

شبهات من أجاز الغناء والرد عليها:
1-     عن عائشة رضي الله عنها، قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " دعهما"، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب. فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: " تشتهين تنظرين" فقلت نعم؛ فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: " دونكم يا بني أرفدة"، حتى إذا مللت قال حسبك، قلت نعم، قال:" فاذهبي"(رواه مسلم في صحيحه، 2015، كتاب العيدين،باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، 395، ح 19) فيعلق محمد عمارة (1999، 11) على هذا الحديث قائلًا أن هذا سنة عملية أقرت اللعب والتمثيل والرقص المصحوب بالغناء، ففي بعض الروايات: " كانت الحبشة يغنون شعرًا يقول :
يا أيها الضيف المعرِّج طارقًا          لولا مررت بآل عبد الدار
لولا مررت بهم تريد قراهم            منعوك من جهد وإقتار
وقد رد العلماء على من ظن أن هذا الحديث رخصة في الغناء بعدة ردود منها : (محمود أحمد، 2007، 422)
أولًا : أن ذلك كان يوم عيد فلا يقاس عليه من الأيام .
ثانيًا : أنه كان من جاريتين صغيرتين ,فلا يقاس عليهما الرجال والنساء .
ثالثًا : أنه كان من أشعار الحرب التي فيها الشجاعة والخشونة وليس بالكلام الفاحش الذي يشتمل على الخلاعة وإثارة الغرائز والشهوات .
رابعًا : أن الدف الذي كان معهما كان مثل الغرابيل وليس فيه صلصلة ويخلو مما يسمى الصاجات .
خامسًا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر رضي الله عنه عندما سمى الغناء مزامير الشيطان فيعد ذلك تقريرًا لصحة هذه التسمية.

     أما عن لعب الحبشة وأغنيتهم فهو كلام حسن أخذ حكم الشعر ألا وهو كلام حلاله حلال وحرامه حرام، فهي تتحدث عن قرى الضيف وإكرامه ولم يرد في الحديث أنها مصحوبة بمعازف.
2-    عن عائشة رضي الله عنها أيضًا أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو رواه البخاري في صحيحه،  كتاب النكاح، باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة، 1315، ح 5162)، وهنا يستدلون به على أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحث على الغناء، إلا أنه أيضًا كان في فرح فلا يقاس عليه من الأيام.


آراء بعض السلف الصالحين في الغناء:
-         قال الإمام القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن: لهو الحديث الغناء في قول ابن مسعود، وابن عباس وغيرهما، وهو يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن، وذكر الخمر والمحرمات لا يختلف في تحريمه، فهو الغناء المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من ذلك، فيجوز القليل منه في أوقات الفرح: كالعرس، والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة كما كان في حفر الخندق، وحدو أنجشة، وسلمة بن الأكوع، فأما ما ابتدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع الأغاني بالآلات المطربة من الشبابات، والطار والمعازف، والأوتار فحرام". ( القرطبي، 1996، 14/ 54)
-         قال الشعراوي: من المفسرين من فسرها بالغناء ومنهم من فسرها بأنها كل شىء يلهي عن مطلوب لله، وإن لم يكن  في ذاته لهوًا، ولكن حينما شغلت المسلم عن آداء الفروض سميت لهوًا، مثل : الزراعة فهي مطلوبة وليست لهوًا في ذاتها، لكن إذا انشغل الإنسان بها عن آداء صلاة الظهر سميت لهوًا، واستطرد قائلًا أنه: لا مانع في الأفراح من الإيناس بالغناء، والرسول أقر بذلك، وكذلك الأعمال الشاقة، فينشدوا ليلهيهم عن متاعب العمل، فكل شىء له غرض نبيل حسن، والنص إن أثار غرائز فهو حرام، فإذا غنِّي بتكسرِ فحرام، واعلم أن المقصود بالغناء: نص، ولحن، وأداء، فالنص المهيِّج الذي يخرج الإنسان عن وقاره وعن رزانته محرم، فإذا أضيف إلى النص لحن متكسر ازداد حرمة ، وإذا أزيد له أداء مهيِّج بحيث يستعمل فيه شىء غير الصوت فازداد أكثر.( محمد الشعراوي، 2013).

و
معنى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر بالغناء في بعض المناسبات مثل الأفراح والأعياد والأعمال الشاقة والأحاديث التي استدل بها المبيحون الغناء كان الأول في عيد، والثاني في فرح كما يضيف سعيد القحطاني  ( 2010، 29 ) أن في حديث الجاريتين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر رضي الله عنه تسمية الغناء بمزامير الشيطان، وأقر الجاريتين معللًا تركهما بأنها أيام عيد ، وهذا يستدل منه أن الغناء جائز في الأفراح والأعياد.
إذن نتوصل إلى:
1-    جواز الغناء في العيد، وفي العرس، وعند قدوم غائب، وللوفاء بالنذر، وإباحة سماعه للرجال والنساء لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك.
2-    جواز غناء الغزاة وهو ما يعتاده الغزاة لتحريض الناس على الغزو ... وفيه تحريك الغيظ والغضب على العدو، وتحسين الشجاعة، واستحقار النفس والمال.
3-    جواز غناء الرجال عند التنشيط على الأعمال الشاقة. كما ارتجز صلى الله عليه وسلم هو والصحابة رضوان الله عليهم في بناء المسجد وحفر الخندق وغيرهما كما هو مشهور.
4-    حرمة الغناء الذي يثير الشهوات ويُغنى بتكسر وهو ما كثر في هذه الأيام .

5-    حرمة المعازف  واستُثني الدف للنساء في النكاح والوليمة.

حكمة تحريم الغناء:
        يجب عليك عزيزي الطالب أن تعتقد أن لله في كل ما شرع لعباده من أمر أو نهي أو إباحة – حكمة ، ويجب على أي مسلم أن يبادر إلى طاعة الله، ولا يتلكأ في ذلك حتى تتبين له الحكمة، فإن ذلك مما ينافي الإيمان الذي هو التسليم  المطلق لله والشرع، قال تعالى:  }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا{، ولقد وردت في آثار كثيرة عن السلف من الصحابة وغيرهم تدل على حكمة التحريم، وهي أنها تلهي عن ذكر الله وطاعته، والقيام بالواجبات الشرعية مقتبسين ذلك من تسمية الله  تعالى إياه ب ( لهو الحديث) في قوله تعالى : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين"
- يقول محمد الألباني (1997، 149):اعلم أن للغناء خواص لها تأثيرفي صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء، فمن خواصه:
أنه يلهي القلب ويصدُّه عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان  في القلب أبدًا لما بينهما من تضاد .
 و القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفس، وأسباب الغيّ، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي"

ويقول ابن القيم الجوزية ( 1975، 250) أن الغناء قرآن الشيطان، فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدًا، فأساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن، وصاحب الغناء بين أمرين، إما أن يتهتَّك فيكون فاجرًا، أو يظهر النسك فيكون منافقًا، فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات، ومحبة ما يكرهه الله ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو، وما يدعو إليه الغناء ويهيجه، ومن علامات النفاق أيضًا: قلة ذكر الله ، والكسل عند القيام إلى الصلاة ونقر الصلاة، وقل أن تجد مفتونًا بالغناء إلا وهذا وصفه.

يتَهَتَّكَ:  أي تَصَرَّفَ كَمَا يُرِيدُ غَيْرَ مُبَالٍ بِمَا يُقَالُ عَنْهُ ، تَجَاوزَ حُدُودَ الاحْتِشَامِ.
                                                                             نقر الصلاة:  التسرع فيها والتخفف


أخيرًا ...اعلم أن المبيحين للغناء لم يروا الواقع الذي ساد الآن من موسيقى صاخبة ونساء عاريات وما نراه في القنوات الفضائية، فهل من العدل قياس غناء هذه الفضائيات بغناء الجاريتين البنتين الصغيرتين الذي لا يحرك الغرائز ولا يستثير الشهوات الكامنة، وكل فرد حكم في نفسه والفطرة السوية تستشعر الحرام وتبعد عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. (رواه مسلم في صحيحه، 2015، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم، 1190، ح 2553)
  
أسئلة التقويم:
1-    قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ " ( سورة لقمان: 6)
ما المقصود بلهو الحديث، وكيف تستدل بها على تحريم الغناء؟
2-    علامَ اجتمع الأئمة الأربعة بخصوص الغناء، مفصلًا آراء كل منهم.
3-    عن عائشة رضي الله عنها، قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " دعهما"، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب.
                       وضح كيف استدل بها كلا الفريقين على رأيه، مبديًا وجهة نظرك أنت.
4-    اكتب أقوال بعض الأئمة الصالحين في الغناء.
5-    اكتب ما استخلصته من رأي الفريقين في الغناء.
6-    ما الحكمة من تحريم الغناء، وأثره في حياة الفرد.
7-    اكتب حوارًا جدليًا بين أحد الأفراد يرى جواز الغناء، وآخر يؤمن بتحريم الغناء.



0 التعليقات:

إرسال تعليق