الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

الوقت في الإسلام


                 

      يقدر الإسلام قيمة الوقت، حيث نال مكانة عالية، وارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة كالصلاة والصيام والحج، وأدائها لا يتحقق إلا عن طريق الالتزام بأوقاتها، وحث الإسلام على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم الإسلامي، ولكن  بعض  المسلمين -الآن- أصبحوا لا يدركون قيمة الوقت؛ في حين أدرك الغرب قيمته، واستثمروه في نهضة مجتمعهم، وبذلك تقدموا وتخلفنا نحن بسبب إضاعة الوقت فيما لا يفيد.
أولا :  أدلة من القرآن والسنة على أهمية الوقت .
   أقسم الله بالوقت في آيات كثيرة  منها: قال تعالى ( والعصر إنَّ الإنسان لفي خُسر ), وقال تعالى ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلَّى ), كما قال تعالى ( والفَجْر وليالِ عَشْر )، وغيرها من الآيات مما يدل على أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله، فالله لم يخلقنا عبثًا، فقد قال سبحانه وتعالى  :
}      قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116){ (سورة المؤمنون)
لذلك فعلى المؤمن أن يحرص على تقديم الخيرات والأعمال الصالحة، وإلا كانت عاقبته الخسران ، فيقول تعالى:
}وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (سورة العصر)
وهناك أحاديث كثيرة تدل على أهمية الوقت، وتحث على اغتنامه فيما ينفع، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوم القِيامة حَتى يُسأل عَنْ عُمره فيمَ أفْناه ,وَعَن علمه فيم فَعَلَ ,وعن مَالَه مِن أينَ اكْتَسَبَه وَفيمَ أنْفَقَهُ ,وعن جِسْمه فيم أبْلاه))  (رواه الترمذي في سننه، 2015، كتاب صفة القيامة والرقائق، باب في القيامة، 477، ح (2417))
تزول : تتحرك من ثباتها     أفناه : ضيعه                        أبلاه : أهلكه
والرسول - صلى الله عليه وسلم-  يخبرنا في هذا الحديث عن أهمية الوقت في قوله ((حَتى يُسأل عَنْ عُمره فيمَ أفْناه ) لأن الإنسان سوف يُسأل عن عمره ووقته فيمَ ضيعه ,هل استغله في الخير وفي عمل الطاعات ؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" نِعْمَتَان مَغْبُون فِيهما كَثِيرٌ مِن النَاسِ الصِحَة والفَراغ "(رواه ابن ماجة في سننه، 2015، كتاب الزهد، باب الحكمة، 647، ح 4170)
مغبون :مخدوع / تضيع منه بدون فائدة
من الحديث أن كثيرًا من الناس لا يعرفون قدر هاتين النعمتين حيث لا يكتسبون فيها الأعمال الصالحة فيندمون على ضياع أعمارهم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " (رواه الحاكم في المستدرك2002، كتاب الرقاق،  341، ح 7845/3).
خصائص الوقت:
1-    سرعة انقضائه:  فهو يمر مر السحاب ويجري جري الريح ، سواء كان زمن مسرة وفرح أو زمن مضرة وحزن.
2-    أن ما مضى منه لا يعود ولا يعوض: فكل يوم يمضي، وكل ساعة تنقضي وكل لحظة تمر، ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها، وهذا ما عبر عنه الحسن البصري بقوله البليغ: " ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فترزود مني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.
3-    أنه أنفس ما يملك الإنسان: فهو الحياة، فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، وفي هذا قال الحسن البصري:" يا ابن آدم، إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك!
نماذج من الحرص على الوقت:
·        كان السلف يحرصون على الوقت فقد ورد في سير أعلام النبلاء  يقول عبد الرحمن بن حاتم الرازي عن حاله مع أبيه ( أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ) : ربما كان يأكل فأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه ، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ، ويدخل البيت لطلب شيء وأقرأ عليه .
·        وورد أيضًا في سير أعلام النبلاء " قال الرازي: سمعت علي بن أحمد الخوارزمي يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة ، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ ، وبالليل النسخ والمقابلة ، قال : فأتينا يوماً أنا ورفيق لي شيخاً ، فقالوا : هو عليل ، فرأينا في طريقنا سمكًا أعجبنا ، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس ، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس ، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام وكاد أن يتغير ، فأكلناه نيئاً ، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه ، ثم قال : لا يستطاع العلم براحة الجسد.

التحسر على هدر الوقت:
لعاقل من ندم اليوم حيث ينفعه الندم ، واستقبل لحظات عمره ، فعمَّرها قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع، فمن لا يغتنم وقته ندم في موقفين لا ينفع فيهما ندم، وهما كالتالي: (يوسف القرضاوي، 11،12)

1-    الموقف الأول "ساعة الاحتضار": حين يستدبرالإنسان الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنِح مهلة من الزمن، وأُخر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسد، ويتدارك ما فات، وفي هذا يقول القرآن:
 " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ " (المنافقون: 8-10)


وكان الرد على هذه الأمنية قاطعًا مانعًا، وهو:
"وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " (المنافقون، 11)

2-    الموقف الثاني" في الآخرة": حيث تُوفى كل نفس ما عملت، وتُجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، يقول تعالى:
 " وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ" (فاطر، 36، 37)

فقد قطع الله الأعذار حين أعطى كل مكلف  من العمر ما يتسع لعمل المكلف به، وللمزيد اسمع هذا الفيديو:


أسباب إهدار الوقت: 
بعد أن عرفنا عاقبة من لا يغتنم وقته ومدى تحسره على ما فاته، عليك أن تعرف الأسباب التي تؤدي إلى هدر الوقت كي تتجنبها، وهي كالتالي:
1-    عدم تحديد الهدف :
       إن عدم تحديد الهدف ،وعدم تحديد الأولويات يجعلك تعيش تائهًا غارقًا في الحياة ولا تحقق أي إنجاز،
 ولكن من حدد هدفاً يسعى إليه فإنه لن يضيع وقته ، فالطالب الذي يريد التفوق لا يكثر اللهو،
 ومن  كان غايته الوصول إلى الجنة ونعميها       

سعى جاهدًا، قال تعالى :
" سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ "   (سورة الحديد ، 21)
2-    عدم إدراك قيمة الوقت: ولو قرأ في سيرة الرسول صلى الله علي وسلم وفي حياة السلف لأدرك قيمة الوقت.
3-    عدم التخطيط: إنّ عدم وجود جدول يومي للقيام بالمهام المُختلفة، وتوزيع الأنشطة العادية من اهم أسباب إهدار الوقت.
4-    ضعف الإرداة: قد يحدد الشخص هدفه وهو مدركُ لقيمة الوقت، ويكتب جدوله اليومي، ولكن عند التنفيذ يشد العزم في البداية، ولكن لا يصبر وتضعف إرادته ويتكاسل.
5-    رفاق السوء : الذي يهدرون أوقاتهم ، ولا يهدون إلى رشاد .
6-    التسويف: التسويف والتأجيل والتراخي والكسل أكبر عدو للوقت، ويقتل أي إنجاز، وقديمًا قالوا لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
فكر لاستغلال الوقت:
بعد هذه المكانة العالية التي نالها الوقت في الإسلام، يجب علينا استغلاله فيما يرضي الله، مثل:
1-    تأدية الفرائض والواجبات في أوقاتها:
ارتبطت بعض الفرائض بالأوقات، فالصلاة تؤدى في أوقات ، قال تعالى:" إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا " (النساء: 103 )، والصيام في شهر محدد :" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ " (البقرة: 185)، والحج أيضًا، قال تعالى:" الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ" (البقرة: 197)، فالقيام بالفرائض في وقتها تبارك في عمر الإنسان.
2-    صلة الرحم: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )، البسط في الرزق كثرته ونماؤه وسعته وبركته، معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ) يبارك له في عمره. (رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب،1191باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، ح 2557)
3-    الانشغال بالعلم والتعلم.
              

أسئلة التقويم:
1-    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" نِعْمَتَان مَغْبُون فِيهما كَثِيرٌ مِن النَاسِ الصِحَة والفَراغ " بيِّن كيف يدل هذا الحديث على أهمية استغلال وقت الفراغ.                                                      
2-    ما خصائص الوقت، وهل خصائصه تحعلنا نندم على عدم اغتنامه؟
3-    في رأيك ما أسباب هدر الوقت؟
4-    اذكر نموذج أعجبك في مدى حرصه على الوقت؟
اذكر موقفين تتمنى ألا تندم فيهما وتتحسر على عدم اغتنام أوقاتك؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق