الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

ترشيد الاستهلاك في الإسلام


قال تعالى:
 ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ))                  (البقرة:143)

      لقد منح الله الإنسان نعمة التمتع بنعم الله والطيبات من الرزق، وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده »( رواه الترمذي في سننه،2015، 547، ح 2819)، أي يحب أن يتنعم عبده بنعمته ويتمتع بالطيبات من الرزق، فالأصل أن يسد الإنسان حاجته بنعمة الله مادامت تلك النعمة أباحها الله تعالى أو أمر بها، كثرت أو قلت، وليس في ذلك محظور، ما دامت الضوابط الشرعية تتحكم فيها، قال تعالى:

 }قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{ (الأعراف: 32 )

إلا أن المطلوب في استخدام هذه الإباحة في الاستهلاك وسد الحاجة فيها هو القصد والاعتدال والتوسط، فإذا تجاوز الحدود الشرعية كان ذلك إسرافًا، قد ينمو ويكبر فيكون تبذيرًا، فأمرنا الإسلام بالوسطية والاعتدال في جميع أمور الحياة ومنه الإنفاق، وهو ما يُعُرَف بترشيد الاستهلاك.
مفهوم ترشيد الاستهلاك:
        يُعرَّفُ ترشيد الاستهلاك بأنّه الاستعمال الأمثل للموارد والأموال والاعتدال والتّوازن في الإنفاق، والسعي لتحقيق منفعة الإنسان وعدم المبالغة في البذل، وذلك عبر إجراءاتٍ وخطط واعيةٍ توجّه الفرد للطريق الأمثل؛ لتحقيقِ تنمية مستدامة هدفها حفظُ حقوق الأفراد في الحاضر والمستقبل.


أدلة من القرآن والسنة  تحث على ضرورة ترشيد الاستهلاك:
     يجب أن يتناسب الاستهلاك مع الحاجة الفعلية للفرد لا أكثر ولا أقل، وإلا يتسبب ذلك خللًا في الحالة الاقتصادية للمجتمع، وقد بين الإمام الغزالي ذلك بقوله: " والمقدار الذي يكسبه ينبغي أن لا يستكثر منه ولا يستقل، بل القدر الواجب، ومعياره الحاجة: والحاجة ملبس ومسكن ومطعم ( الغزالي، 3/ 262)

ولذلك يأمرنا الله تعالى بالترشيد في الاستهلاك وعدم الإسراف أو التبذير في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:

﴿(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا))﴿الإسراء: ٢٩ ﴾
وقوله تعالى: ((وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)) (الإسراء:27)
وقوله تعالى: ﴿(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)) (الفرقان: 67 )

وقوله تعالى: (( يبني آدام خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)) ( الأعراف 31، 32) 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" (رواه البخاري في صحيحه،2002، كتاب اللباس، 1464، ح 5783)
وقال صلى الله عليه وسلم:«مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» (رواه الترمذي في سننه: كتاب الزهد، 469، 2380)
لماذا نهانا الله عن الإسراف والتبذير ؟
لا يأمرنا الله بشىء إلا وكان فيه خير لنا ولا ينهانا عن شىء إلا وكان الإتيان به ضرر، فلقد نهانا عن الإسراف والتبذير، لأن الإسراف حسرة في الدنيا وعقاب أليم في الآخر، وإليك التفصيل: ( زيد الروماني، ب.ت، 22،23)
١- الإسراف خطر على العقيدة: الإسراف يرفع مستوى معيشة الفرد والأسرة رفعا كاذبا يفوق الدخل الحقيقي المستمر، ثم لا تكاد المكاسب الجانبية تزول ولا يبقى سوى الدخل الحقيقي، حتى يلجأ كثير من المسرفين إلى طرق شريفة وغير شريفة لاستمرارالتدفق النقدي وتحقيق المستوى العالي من الإنفاق الذي اعتادوه؛ فتمتد اليد بشكل أو بآخر، فيقعوا تحت وطأة الكسب الحرام، ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي به موارده، فيضطر تلبية وحفاظًا على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام.
٢- الإسراف نوع من التسرع والتهور: الإسراف نوع من التهور والتسرع وعدم التبصر بعواقب الأمور، وقد يكون دليلاً على الاستهتار وعدم الحكمة في تحمل المسئولية، وكل ذلك يؤدي إلى وخيم العواقب وسيئ النتائج، فهو يقتل حيوية الأمة ويودي بها إلى البوار والفساد، ويملأ القلوب حقدا وضغينة، ويقضي على حياة الأمن والاستقرار، كما أن فيه كسرا لنفوس الفقراء وبطرا لأهل الغنى
٣- الإسراف ودواعي الشر والإثم: فالسرف داع إلى أنواع كثيرة من الشر؛ لأنه يحرك الجوارح إلى المعاصي، ويشغلها عن الطاعات، كما أنه يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على الفرد من الوقوع في الإثم والمعصية. فالشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " ما ملأ آدمي وعاءً شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محال، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه
٤- الإسراف وتأثير على البيئة: يعد الإسراف سببا رئيسا من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها، وهو وإن كان متعدد الصور والأساليب، إلا أنه يؤدي بشكل عام إلى نتيجة واحدة:إهلاك الحرث والنسل، وتدمير التوازن البيئي  .
مجالات ترشيد الاستهلاك:
يعتبر ترشيد الاستهلاك من أهم الركائز التي تقوم عليها المجتمعات السليمة، وله مجالات كثيرة، منها: ترشيد استهلاك الغذاء، وترشيد استهلاك الكهرباء، وترشيد استهلاك الماء.
1-    ترشيد استهلاك الغذاء:
ممّا لا شكّ فيه أنّ الغذاء من الحاجات الأساسيّة التي لا يُمكن لأي فردٍ الاستغناء عنها، وينفق الشخص معظم دخله على توفير الغذاء له وللمُحيطين به، ولكن في الوقت نفسه هناك الكثير من الإسراف في الاستهلاك؛ مما يؤثّر على الشعوب الأخرى فتحدث المجاعات.





يُعرَّف ترشيد استهلاك الغذاء بأنه: هو استخدام الغذاء بالشكل الأمثل دون هدرٍ بهدف المحافظة على المواد الغذائية لتكون متوفرةً للجميع، وتحتاج عمليّة الترشيد إلى تكاتف جميع أفراد الأسرة معاً لتحقيق النتائج الطيّبة في النهاية.
  •     عدم الاهتمام بالإعلانات التجاريّة عند الذهاب لشراء الحاجات المنزلية وذلك لأن هذه الإعلانات تكون مدروسةً بشكلٍ كبيرٍ لتؤثّر في المستهلك وتجذبه إلى البضاعة حتى لو كانت غير ضروريةٍ، فيتفاجأ الشخص بأنّه قد اشترى الكثير من الحاجات التي لا يستفيد منها أو لا تلزمه.
  •     من الأفضل عند طهو الطعام تحديد الكميات حسب حاجات الأسرة بحيث لا يتمّ إلقاء الفائض في النفايات، كما أنه على الصعيد الفردي لا بدّ أن يضع كل فردٍ كميّةً من الطعام تتناسب مع حاجته فقط.
  •     شراء الخضار والفواكه بكمياتٍ معقولةٍ ولمدّةٍ لا تتجاوز الأسبوع وذلك لأنها قد تفسد قبل استعمالها.
  •   الاستفادة من بواقي الأطعمة، بدلا من التخلص منها .
  •  عند إعداد المائدة يوضع عليها طعام قدر الحاجة فقط، فالإسلام يوجهنا إلى أن اللقمة نعمة يجب المحافظة عليها وصيانتها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى، ثم ليأكلها، و لا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدرى في أي طعامه تكون البركة) ( رواه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى وكراهة مسح اليد قبل لعقها، 976، ح 2033)
  •     اللجوء إلى شراء حاجات المنزل من المواد الغذائية مرّةً واحدةً؛ بحيث يتم الشراء بالجملة التي تكون سعرها أقل من سعرها بالتفرقة.
  •    شراء المنتجات الغذائية المناسبة للدخل الأسري، فليس من المعقول أن تُنفق أسرةٌ ذات دخل منخفض معظم دخلها على الأطعمة باهظة الثمن وقليلة الفائدة.
  •     معرفة بدائل السلع الأساسية؛ حتى يمكن الاستعانة بها عند اختفاء سلعة أو ارتفاع ثمنها.
 ترشيد استهلاك الكهرباء:
ترشيد استهلاك الكهرباء والماء هو الاستعمال الأمثل لموارد الطّاقة المُتاحة عن طريقِ مجموعةٍ من المُمارسات والإجراءات التي تقود لتقليل استهلاك هذه الموارد مع الأخذ بعين الاعتبار راحة الناس ومقدار إنتاجيّتهم؛ إذ لا يعني ترشيد استهلاك الماء والكهرباء أن يُمنع استخدامها بشكلٍ مطلق، إنّما يعني استِخدامها والإفادة منها بأساليب ذات فعاليةٍ أكبر لتجنّب إهدارها.
 من الطّرق التي تُسهِم في ترشيد استهلاك الكهرباء:
-          شراءُ المصابيح الموفّرة للطاقة الكهربائية واستعمالها عوضاً عن المَصابيح التقليدية، كون المصابيح الموفّرة للطاقة تُنتج إنارةً أعلى على الرّغم من استهلاكها لمقدارٍ أقلّ من الطّاقة.
-          الاعتمادُ على طرق الإنارة الطبيعية خلال أوقات النّهار، وتقليلُ الاعتماد على طرق الإنارة الصّناعية، عبرَ فتح النّوافذ لتمرّ من خلالها الإضاءة.
-         عدم ترك الغرف غير المستعملة مضاءة.
-         الاستغناء عن المدافئ التي تعتمدُ بشكلٍ أساسي على الكهرباء في تدفئة المنزل أو تقليل فترة استخدامها، كونها تستهلك مقداراً كبيراً من الطّاقة الكهربائية.
-         إغلاق الأجهزة الكهربائيّة عند عدم الحاجة إليها، كالتّلفاز والحاسوب.

-          عدم فتح النّوافذ في فترات تشغيل جهاز مُكيّف الهواء؛ تجنّباً لدخول الهواء الساخن من الخارج.

طُرق ترشيد استهلاك الماء:
يُسرف كثيرٌ من الأفراد في استخدام الماء دون وعي بحقيقة قابليّته للنفاد؛ حيثُ تترتّب على نفاد الماء الكثير من الأخطار التي تهدد التنمية الوطنية وحياة الأفراد بشكلٍ مباشر، كما تُسبِّبُ الكثير من الأخطار للبيئة، ولأجل ذلك تنبّهت المُجتمعات لضرورة ترشيد استهلاك الماء وعدم إسرافه، ومن الطّرق التي تُسهِم في ترشيد استهلاك الماء الآتي:

-        
عدم فتحُ مصادر المياه إلّا حين الحاجة الفعلية لها، وإغلاقها حال الانتهاء من استخدامها، وخاصّةً في الممارسات المتعلّقة بالاستحمام والحلاقة وغسل الأسنان.
-         إصلاح الأعطال التي تُصيب مصادر المياه، وخاصّةً مشاكل تسرُّب المياه.
-         استخدام القطع الخاصّة بتوفير المياه، وتركيبها على مصادر المياه.
-         محاولة تقليص مدّة الاستحمام، والحدّ قدر الإمكان من استخدام حوض
-         الاستحمام؛ لحاجته لكميّاتٍ كبيرة من الماء مُقارنةً بالاستحمام دون استعماله.
-          استخدام طرقٍ حديثةٍ في الزّراعة وريّ المزروعات، مثل نظام الريّ بالتنقيط،
 وزرعُ الأنواع التي لا تحتاجُ للكثير من المياه.
-          عدم غسل الخضروات والفواكه تحتَ الماء الجاري من مصدر الماء،
 إنّما غسلها عبر تَعبئة الحوض بالماء.
                                         
أسئلة التقويم:
1-    بين كيف تتفق هذه الآية ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) مع قوله تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).
2-    ما الآثار التي تترتب على الإسراف والتبذير؟
3-    اذكر دليلًا من القرآن ينهى عن الإسراف مع الشرح؟
4-    اذكر حديثًا يحثنا على  عدم الإسراف في الطعام.
5-    اقترح فكرًا لترشيد استهلاك المياه.




0 التعليقات:

إرسال تعليق