الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

قبسات من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم





كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقًا وأكملهم قدرًا، فخلقه القرآن كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: " كان خلقه القرآن" ، ولقد قال عليه الصلاة والسلام: « إنما بعثت لأتمم  صالح الأخلاق » رواه البخاري في الأدب المفرد، باب حسن الخلق،  78، ح 273)، لذلك قال الله سبحانه وتعالى :
}لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{  (الأحزاب: 21)
ومن مظاهر تواضعه صلى الله عليه وسلم:
ü     الرسول عليه الصلاة والسلام لا يترفع عن خدمة أهله:
       كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكبر عن خدمة أهله، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي بردة قال: قلتُ لعائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته، قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة، قام إلى الصلاة.
ü     الرسول صلى الله عليه وسلم مع المملوك :
كان متواضعًا مع المملوك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير".
ü     الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه:
1-    كان متواضعًا مع أصحابه: منها ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، قال: وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب، زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكانت إذا جاءت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم – أي نوبته في الركوب- قالا: نحن نمشي عنك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما"
ü     رجلٌ ترعد فرائصه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطمئنه:

عن أبي مسعود قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه، فقال له هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد ( رواه ابن ماجه في سننه)

تسامح رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتسامح والعفو عند المقدرة في آيات كثيرة: }وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ{ ( النور: 22)
}وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا{ (الفرقان: 63)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير من يتخلق بالتسامح، فهو قرآن يمشي على الأرض، ومن أدلة ذلك: دخل النبي صلى  الله عليه وسلم مكة التي أذاه أهلها كثيرًا وسلكوا كل الطرق كي يحولوا بينه وبين تحقيق هدفه وهو نشر رسالته واتهموه بأنه مجنون، وأخرجوه من مكة التي قال عليها:" ( والله إنك لأحب البقاع إلى الله وإنك لأحب البقاع إلي , ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت"
وبرغم ذلك تجلى التسامح في أبهى صوره، فقد ورد عن صفية بنت شيبة قالت : لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به ، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها ، ثم وقف على باب الكعبة فخطب قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قام على باب الكعبة ، فذكر الحديث ، وفيه : ثم قال يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم . قال :"اذهبوا فأنتم الطلقاء " . ثم جلس فقام علي فقال : اجمع لنا الحجابة والسقاية ، فذكره . وروى ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال : خذها خالدة مخلدة ، إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ، ولا ينزعها منكم إلا ظالم .(أحمد حجر، كتاب المغازي، باب دخول النبي صلى الله عليه سلم من أعلى مكة، ج8، 19، 4291)
-         وقد أمَّن  -صلى الله عليه وسلم- أهل مكة على أنفسهم بقوله -صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن، وهو أمر لم يعرف التاريخ، ولن يعرف له مثيلًا في العفو والصفح. 
     هكذا من الطبيعي  أن يتعرض الإنسان للإساءة، والعديد من الموقف المحرجة، والمشكلات التي تحدث بينه،  وبين أشخاص آخرين، و قد يضطر إلى مقاطعتهم في كثير من الأحيان، و ينتج عن ذلك عدد كبير من الآثار السيئة حيث تتعدد الخلافات في حياة الإنسان فتفقده التركيز في مستقبله، وقد يصاب بالأمراض ، وتتسبب في القضاء على الكثير من العلاقات الطيبة ويعيش وحيدًا، ومن هنا يأتي أهمية الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 
         إن الصبر من الأخلاق التي حض عليها القرآن الكريم، وقد جاء في مواضع عدة من كتاب الله تعالى، وذلك لأهميته في حياة الإنسان، حيث أن جميع الأخلاق نقطة ارتكازها الصبر، فالرحمة مثلاً تحتاج للصبر وإلا ما رحمت الأم وليدها ولا تحملت المشقة في تربيته، ولا تحمل الأب أبناءه مشقة العمل للإنفاق عليهم، ولا تحمل الأبناء وبروا أباءهم في كبرهم، والعدل والعمل به يحتاج للصبر، والصدق الدائم يحتاج للصبر، والزهد يحتاج للصبر، ولو فصلنا في كل خُلق لوجدناه يحتاج للصبر حتى يُدَاوم عليه، ولم تقم دعوة الإسلام، ولم تبلغ ما بلغت إلا بعد تضحيات عظيمة، وتحمل صنوف من الأذى، ومن واجه ذلك وصبر عليه هو خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك للمسلم أسوة في مواجهة المشكلات.

قال تعالى : {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]


ومن مظاهر صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1-    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى ولا يرد الإساءة برغم قدرته، فقد روي عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ "، قَالَ: " فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ "، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» ( رواه مسلم في صحيحه، 2015، كتاب كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، 864، ح1795)

2-    كان رسول الله صبورًا حليمًا، فقد جبذه أعرابي من ردائه، ولم يغضب، ولكنه  ابتسم وفوق ذلك نفذ له ما طلب فعن ابن مالك، قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء. (رواه البخاري في صحيحه، كِتَاب اللِّبَاسِ، باب الْبُرُودِ وَالْحِبَرَةِ وَالشَّمْلَةِ، 1470، ح5809)
أمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      عُرِف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قومه قبل بعثته بالأمين ولقِّب به،فقد ورد في الرحيق المختوم: (أن القبائل مِن قريش لما بنت الكعبة حتى بلغ البنيان موضع الركن -الحجر الأسود- اختصموا فيه، كلُّ قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى حتى تخالفوا وأعدُّوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالي أو خمسًا، ثمَّ تشاوروا في الأمر، فأشار أحدهم بأن يكون أوَّل مَن يدخل مِن باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر، ففعلوا، فكان أوَّل داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمَّد، فلمَّا انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام: هلمَّ إليَّ ثوبًا، فأُتِي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثمَّ قال: لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية مِن الثَّوب، ثمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثمَّ بنى عليه). ( صفي الرحمن المباركفوري، ب.ت، 51)، وقد كان يعمل في التجارة واشتُهِر بأمانته لذلك قررت الزواج به السيدة خديجة رضي الله عنها، وذلك قبل بعثته أيضًا.
     وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على الأمانة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.( رواه البخاري في صحيحه، 2002،كتاب كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة، 1615،ح 6496).
      أخيرًا وليس آخرًا إن الأمانة لا تقتصر على حفظ الأشياء المادية، ولكن  حفظ السر حفظه أمانة، فعندما تحفظ سر جارك أو صديقك أو أحد من أهلك، فإنها أمانة، تحفظ له السِتر من أمرٍ لا يُريد للآخرين معرفته. الجسد أيضاً أمانة، وجميع حواسك أمانة، فلا تُوظفها في أي أمرٍ يغضب خالقك عز وجل، أن تحفظ عرضك وعرض أهلك أيضًا أحد أشكال الأمانة، فلا تُقدم على فعل الفواحش.




أسئلة التقويم:
1-    اذكر ما يدل من السيرة النبوية على تواضعه صلى الله عليه وسلم؟
2-    لماذا أمرنا الله بالتسامح؟
3-    قال تعالى : {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]
4-    ما المقصود بالأمانة، وما أشكالها؟
5-    هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أمينًا قبل البعثة، وما دليلك؟


0 التعليقات:

إرسال تعليق